تؤمن حنان بن خلوق أنّ امتلاك المعرفة لا يكفي بل يجب مشاركتها والاستفادة من كلّ الطرق المتاحة لضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير. وتسعى حنان لإحداث نقلة في الدول العربيّة نحو اقتصاد الابتكار والمعرفة. وتُعدّ واحدة من أبرز النساء المغربيّات اللواتي جمعن بين الاقتصاد والأعمال والكتابة والريادة. وقد قدّمت كتاب “بذور التغيير” مؤخّراً وكان الأكثر مبيعاً عبر “أمازون”. التقيناها لنكتشف قصّة نجاحها ونتعرّف على أفكارها وطبيعة عملها.
في كتابك “بذور التغيير” تحاولين وضع أسس محدّدة لبناء مؤسّسات وأوطان تتمحور حول الإنسان، فكيف وصلت إلى هذه القناعة؟
مع التغييرات المتسارعة التي نشهدها اليوم والثورة التكنولوجيّة التي سهّلت الوصول إلى المعلومة وجعلت العالم بأسره قرية صغيرة، برزت جماهير من المستهلكين والموظّفين والمواطنين الواعين لحقوقهم والقادرين على التعبير عن آرائهم، والمتطلّبين لحلول ومنتجات وخدمات تتماشى مع احتياجاتهم وأسلوب حياتهم كأشخاص متفرّدين بأساليب حياتهم واختياراتهم الشخصيّة، بعيداً عن التصنيف التقليديّ الذي يرتكز على الفئات العمريّة أو المستوى التعليميّ أو العرق مثلاً… وأدركت أنّه أصبح من البديهيّ أنّ نظام السوق سيفرض على شركات وحكومات المستقبل تغيير قواعد اللعبة والتركيز على الإنسان كمحور لتوسيع مفهوم مؤشّرات الأداء وإعادة تعريف النجاح وأدوات قياسه بهدف الموازنة بين الأهداف الماليّة والاجتماعيّة والبيئيّة.
ما الذي دفعك إلى التفكير بتقديم هذا الكتاب؟
قمت بذلك احتفالاً بمرور عقدين على انطلاق مساري المهنيّ الذي شمل مجالات متعدّدة والذي انطلق من عاصمة المال والأعمال نيويورك، مروراً ببعض البلدان الأوروبيّة وشمال إفريقيا مسقط رأسي، قبل الاستقرار في مدينة دبي والانفتاح على الأسواق الشرق أوسطيّة و الآسيويّة. فتلك التجربة المتنوّعة جدّاً شملت أيضاً وظيفة في مؤسّسة حكوميّة، وهي مؤسّسة الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، حيث حظيت بشرف العمل كمديرة برامج الابتكار وريادة الأعمال. وهي التجربة التي شكّلت الدافع نحو النقلة النوعيّة التي عرفها مساري المهنيّ، عندما قرّرت إنشاء مؤسّستي الاستشاريّة الخاصّة للتركيز على إتمام رسالة الدفع بمنطقتنا العربيّة والإفريقيّة إلى اقتصادات ومجتمعات المعرفة. ومن أجل المساهمة في بناء مستقبل مستدام الذي لن يتحقّق إلّا بمنهجيّة التمحور حول الإنسان. وبهذا الكتاب أسعى إلى نشر الوعي حول أهمّيّة تغيير الفكر لدى صنّاع القرار والطامحين إلى إنشاء عملهم الخاصّ، بل حتّى الخرّيجين الجدد المقبلين على بدء مسارهم المهنيّ، أيّاً كان مجالهم، أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال: ما هي بذور التغيير التي سأزرعها اليوم للمساهمة في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة؟ “بذور التغيير” ليس عنوان الكتاب فقط إنّما كلمة بذور بالإنكليزية Seeds هي أيضاً مختصر لمنهجيّة جديدة ومبتكرة للقيادة قمت بإنشائها كمنهجيّة تتبنّاها شركتنا الاستشاريّة لإيجاد الحلول لتحدّيات مختلف المؤسّسات التي نتعامل معها. وتتلخّص بخمس مراحل: استشعار المتغيّرات – إشراك الآخرين – التمكين – التطوير – الاستدامة. ويركّز الكتاب على ضرورة اعتماد التأقلم والمرونة كعقليّة وثقافة لضمان الكينونة في بيئة ستظلّ متقلّبة وغامضة.
ما الذي تعنيه الكتابة لك وكيف أتقنت أدواتها وأنت قادمة من عالم المال والأعمال البعيد عن عالم الأدب؟
مع أنّ مساري التعليميّ منذ الصغر كان علميّاً (رياضيّات وفيزياء) إلّا أنّ الكتابة كانت دائماً وسيلتي المفضّلة للتعبير عن أفكاري وتجاربي. ومنذ سنّ صغيرة جدّاً كانت لي مذكّرات أدوّن فيها تجاربي اليوميّة. وعندما التحقت بمجال الأعمال بدأت أكتب مدوّنات عن المجال على موقعي الخاصّ. ولديّ أيضاً مقالات نُشرت في مجلّات متعدّدة أذكر منها هارفاد بيزنس ريفيو العربيّة وفوربس الشرق الأوسط. وأؤمن دائماً أنّه إذا كانت المعرفة قوّة، فنشر المعرفة قوّة خارقة. وأؤمن أنّني مسؤولة كمواطنة بهذا العالم عن مشاركة الآخرين وإغناء المحتوى المفيد عبر الكتابة والتحدّث وغير ذلك من الوسائل المتوافرة.
ما هي التحدّيات التي تواجه المؤسّسات وتحدّ من نجاحها. كيف اكتشفت هذه التحدّيات وتوصّلت إلى حلول مبتكرة لها؟
أهمّ التحدّيات التي تواجه المؤسّسات اليوم هي القدرة على مواكبة عالم غامض ودائم التقلّب، وقدرتها على استشراف المستقبل وتحقيق الإستمراريّة والاستدامة في بيئة تتسارع فيها المتغيّرات بشكل غير مسبوق يهدّد حتّى الشركات العملاقة بالاضمحلال. كما طرحت في إصدار “بذور التغيير” الحلّ الذي يكمن في نشر ثقافة الرشاقة المؤسّسية والابتكار المؤسّسي. هي مصطلحات ربّما نجدها معقّدة وغامضة. لكنّ بذور التغيير تحتاج إلى تربة خصبة تمكّنها من النموّ والازدهار. لذلك نركّز كثيراً على ضرورة تكوين بيئات عمل وقوانين ممكنة للابتكار. ممّا يعني تقبّل الفشل والتعلّم من التجارب التي لم تنجح. والأهمّ من ذلك، قابليّة التأقلم، ما يحتاج إلى قوانين مرنة وسرعة في اتّخاذ القرار والأهمّ من ذلك ضرورة التواصل المستمرّ مع أصحاب المصلحة لاستشراف مستقبل حاجيّاتهم والتغيير المتوقّع في سلوكيّاتهم وأساليب حياتهم لاستباق توقّعاتهم دائماً وتلبيتها وتجاوزها.
ما هي الصفات التي يجب على المرأة العاملة التمتّع بها كي تتطوّر وتصل إلى سدّة القيادة؟
بحكم تجربتي في إطلاق وإدارة مبادرات كثيرة تهدف إلى بناء مساحات لإزدهار المرأة، استنتجت أنّ بعض النساء العاملات يظلمن أنفسهنّ بالتفكير أنّهن يحتجن لِسمات “ذكوريّة” من أجل الوصول إلى سدّة القيادة. علينا فقط أن نتمتّع بالثقة الكاملة بأنّ القيادة لا تحتاج إلى سلطة مطلقة ولا إلى صفات القوّة، بل بالعكس. اليوم تؤكّد الكثير من الدراسات أنّ النموذج القياديّ المستقبليّ يتطلّب صفات وسمات تُعرف أنّها “أنثويّة”، كالتعاطف والتشاركيّة في أخذ القرار وعدم المخاطرة أو المبالغة والإنصات، وغيرها من الصفات التي تتمتّع بها المرأة بالفطرة. فمستقبل القيادة إذاً لنا، ونحن فقط نحتاج إلى عدم المقارنة مع الرجل وأن نغيّر الحوار من المساواة إلى التوازن، لأنّ الإرتقاء بدور المرأة في أدوار القيادة ضرورة اقتصاديّة وليست قضيّة حقوقيّة باعتباري.
هل ترين أنّ المرأة العربيّة متمكّنة في مجال الإدارة وما الذي ينقص تمكينها بشكل أكبر؟
لا تحتاج المرأة العربيّة إلى التمكين، فهي متمكّنة وبرهنت تميّزها في كلّ المجالات. هي تحتاج إلى أن تكون واثقة أكثر، وتحتاج إلى مبادرات توجيهيّة وقوانين وظروف عمل أكثر مرونةً تخوّلها الموازنة بين الحياة الشخصيّة والعمليّة. وتحتاج إلى الدعم الأسريّ والمزيد من الوعي لدى المجتمع من أجل تفّهم الحاجة إلى تقاسم عبء المسؤوليّات الأسريّة وتغيير بعض الأدوار الجندريّة التي لا تزال تحدّ من ازدهارها.
نجحت في الإمارات وكنت وجهاً مغربيّاً مشرقاً على أرضها، فما الذي توفّره هذه الدولة للمواهب والكفاءات التي تقصدها؟
عندما يسألني أيّ شخص السؤال التقليديّ: من أيّ بلد؟ لا يكون جوابي مباشراً لأنّني عبارة عن ناتج لثلاث وجهات رئيسة في حياتي: نشأت في الدار البيضاء، وصُقِلت في نيويورك، وأزدهر في دبي التي رحّبت بي منذ 17 سنة ووفّرت لي البيئة الأكثر أمناً في العالم للنساء. وأقول ذلك بكلّ يقين لأنّني أسافر كثيراً ومتأكّدة من هذا الواقع. أمّا كرائدة أعمال، ففرص النجاح لا حدود لها في دولة الإمارات التي ترحّب بالأفكار المبتكرة وتوفّر بنية تحتيّة متكاملة للمواهب وأصحاب الأفكار الجديدة والمبدعين.
أنت ملهمة للكثير من الشابّات، فما هي رسالتك للباحثات عن النجاح والفرص؟
بعد مسار طويل أستطيع أن ألخّص أسس النجاح بثلاث كلمات أنصح بها كلّ الشباب والشابّات الذين أقوم بتوجيههم وهي: الشغف والمبادرة والمثابرة. فعندما يجد الفرد شيئاً يشغف به للغاية، سيقوم بالمستحيل لتحقيقه. لكنّ الشغف لا يكفي، إذ نحتاج إلى روح المبادرة لطرق باب الفرص وتحويل ذلك الشغف إلى حقيقة. ثمّ المثابرة لأنّ باب الفرص لا يفتح بسهولة في غالب الأحيان. لذلك يبقى الإصرار وعدم الإحباط من أهمّ أساسيّات النجاح.
ما هي نشاطاتك الحاليّة والمقبلة؟
أعمل حاليّاً على إتمام النسخة العربيّة لـ “بذور التغيير” التي سيتمّ إصدارها في أول 2022 بإذن الله. كما أنّني أعمل على مبادرتي الجديدة “توازن”. وتعود تسمية مؤسّسة “توازن” إلى هدفها المقصود، وهو إحداث التوازن في شتّى النواحي في العالم. ونقدّم منصّة آمنة حيث يتواصل الأفراد المتشابهون في التفكير في جميع أنحاء العالم للمساعدة على تحديد الفجوات والعمل على سدّها والقضاء عليها. “توازن” هي أوّل مؤسّسة فكريّة فريدة من نوعها، تجمع بين أنصار التوازن، ليتمكّنوا من تبادل الأفكار حول كيفيّة سدّ الاختلافات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والعرقيّة والثقافيّة.